کد مطلب:187317 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:240

و سلاحه البکاء (13)
الزمان یمر.. یمرق كنهر تتدافع أمواجه.. لا یتوقف لأحد فهو یمضی لغایته... الینابیع تدرك سر النهر لهذا فهی تفور... وحدها المستنقعات و البرك الآسنة لا تعرف سر الفوران؛ لهذا یموت الآدمیون... ینطوی ذكرهم و تبقی جراح الأنبیاء وحدها تفور... تدرك لغز الزمن.

كان نهر الزمن یجری... یتسابق مع الفرات الظامئ و هب علی علی صوت صهیل غاضب یصك سمع الدنیا... لقد هوی الفارس الذی دوخ القبائل و الفرس تدك الأرض بسنابكها ترید أن توقظ فی الأرض سر الولادة.

اهتزت الأرض... رجفت بأهلها و مادت... لقد قتل هابیل.. دماؤه تلون الأرض... الذعر یغزو القلوب الآدمیة.

سقط رأس یحیی بین یدی «سالومی».

هوی «ابن أبی طالب» فی المحراب مضمخا بالدماء.

ما یزال غبار المعارك عالقا فی الهواء، و بدا الافق مستعرا بحمرة



[ صفحه 43]



دامیة.

ألفی عمته تشق طریقها نحو آخر الأسباط فی التاریخ. صوتها یشق الفضاء:

- لیت السماء أطبقت علی الأرض... و لیت الجبال تدكدكت علی السهل.

مثل دوامة ما لها من قرار كانت الذئاب تدور حول رجل من ذریة الأنبیاء.

السیوف المجنونة تتخطف ابن بنت نبی هو أعظم الأنبیاء.

كان علی ینوء بروح مثقلة بهموم كالجبال.

الأرض تستعید لحظات قدیمة قدم الجبال فی الجزیرة.

كان «صالح النبی» یعظ قومه و قد تمخض الجبل و ولدت الناقة:

- یا قوم هذه ناقة الله لكم آیة.

كانت ناقة مباركة تدر لبنا سائغا للشاربین. و تساءل الآدمیون:

- كیف تلد الصخور ناقة بهذا الجمال... بهذا العطاء.. كیف تدر كل هذا اللبن؟!

لم تؤمن قبائل صالح.. و القلوب المظلمة لا تلد غیر الحقد و الضغینة و المؤامرة... قلوب منحوتة من صخور صماء.. و ان من الحجارة لما تتفجر منها الینابیع.

و هكذا تحول الحقد علی «صالح» الی حقد علی «الناقة» و طفلها الصغیر.



[ صفحه 44]



فی تلك اللیلة العاصفة و الریاح تهب من ناحیة الشمال.. و كانت الناقة تحتضن فصیلها الودیع، و الطفل یزداد التصاقا بامه یلتمس الدف ء و المحبة و السلام؛ فی تلك اللیلة ولدت المؤامرة و جلس «الرهط» یفكرون.

كانت كؤوس الخمرة تدور فسول لهم الشیطان أمرا.

كما تنسج العنكبوت خیوطها نسج المخمورون مؤامرتهم استلوا خناجرهم و انسلوا فی غمرة الظلام. كانت الناقة غافیة هی و صغیرها..

كانت الظلمة كثیفة الی حد جعلهم یتعثرون و هم یشقون طریقهم الی حیث ترقد الناقة بسلام.

كانوا تسعة أشبه ما یكونون بالذئاب.. الذئاب التی تزداد شراسة و غدرا كلما تكاثف اللیل.

و نشبت خناجر تسعة فی قلبین ینبضان بالدف ء و الحب و العطاء؛ و سالت الدماء حمراء حمراء صبغت الأرض و لونت الصعید.

و استیقظت ثمود و قد حل فی الأرض خوف رهیب؛ لم تعد هناك معان لمواعظ الأنبیاء؛ لقد حلت اللعنة.

كان صالح یتمتم بحزن و هو یری غضب السماء قاب قوسین أو أدنی:

- تمتعوا فی داركم ثلاثة أیام ذلك وعد غیر مكذوب.

و غادر صالح القبیلة الملعونة..



[ صفحه 45]



و مضی یوم و أعقبه یوم ثم یوم، ثم انشقت السماء عن صیحة جبارة.. انقضت علی قصور منحوتة فی قلب الجبل فجعلتها دكا... و ما هی الا لحظات و قد تحول كل شی ء الی حطام و أنقاض متراكمة بعضها فوق بعض... لم تكن هناك سوی عیون تبحلق برعب و دناءة تحكی قصة الغدر و الخیانة و دسائس الشیطان.

الحسین ما یزال ینوء بنفسه... تتدفق جراحه دماء تلون الأرض و تصبغ الصعید بلون جدید.



[ صفحه 46]